الأساسيات الخمسة أو المبادئ الخمسة للإصلاح الإنجيلي والمعروفة باصطلاح «Five Solas»، تُعبر عن أهم خمس عقائد أو مبادئ أساسية وهامة بالنسبة للإصلاح الإنجيلي، الذي انطلق مع مارتن لوثر زعيم الإصلاح الإنجيلي في القرن السادس عشر، والكلمة «Sola» كلمة لاتينية تعني «وحيد»، «منفرد»، «حصري»، وهناك خمسة أنواع من تلك «المنفردات والحصريات، «Solas»، وهم: «الكتاب المقدس وحده»، «المسيح وحده»، «النعمة وحدها»، «الإيمان وحده»، «مجد الله وحده».
المبدأ الخامس: مجد الله وحده
مجد الله وحده «Soli Deo Gloria»
كل شيء لمجد الله وحده.
«أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ» (رؤيا 4: 11).
سولا ديو جلوريا باللاتينية «Soli Deo Gloria»، وبالإنجليزية «Glory to God alone» وفي العربيّة «مجد الله وحده»، ينبغي أن يكون كل شيء لمجد الله وحده، إنَّ المجد، دائماً ما ارتبط بالجمال والبهاء والشرف والعظمة والنبلِ والجلال، والكلمة العبرية التي تترجم عادة إلى «مجد» في العهد القديم، يمكن أن تترجم أيضاً إلى «ثروة، كرامة، مركز أو جاه»؛ أما الاستخدام الأكثر شيوعاً لكلمة «مجد» في الكتاب المقدس بعهديه، تأتي في الإشارة إلى «الله» الفريد في مجده؛ ونرى «مجد الله» باعتباره صفة من صفات الله الذاتية، وفي تدخلاته في أحداث التاريخ، فالله مصدر كل مجدٍ وهو «ملك المجد» (مزمور 24)، و «إله المجد» (أعمال 7: 2)، ومجده ملء كل الأرض وفوق السماوات (مزمور 57: 5، مزمور 113: 4)، وهو غيور على مجده وغير مستعدٍ أن يعطيه لآخر (إشعياء 42: 8).
أما في التاريخ، فنرى «مجد الله»، يتجلى في ومضات تكشف لنا سر عظمة وروعة وجمال الله، فقد ظهر في تاريخ فداء شعب الله قديماً، عندما ظهر لموسى في العليقة التي لا تحترق (خروج 3: 2)، ظهر في السحاب (خروج 16: 10)، وعلى جبل سيناء (خروج 24: 16)، ثم ظهر في خيمة الاجتماع (عدد 14: 10)، وعندما أظهر الله لموسى لمحة من مجده-دون أن تحجبه سحابة ولا نار (خروج 33: 18-23)، أصبح وجه موسي يلمع لدرجة اضطر معها أن يضع برقعاً على وجهه حتى لا يخاف الشعب من الاقتراب إليه (خروج 34: 29-35، 2كورنثوس 3: 7-18). هذا المجد تُدركه كل الخليقة، حتى أنَّ «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مزمور 19: 1)، كما أنَّ «مجد الله» موضوع تسبيح البشر «حَدِّثُوا فِي الأُمَمِ بِمَجْدِهِ وَفِي كُلِّ الشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ. لأَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ وَمُفْتَخَرٌ جِدّاً. وَهُوَ مَرْهُوبٌ فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الأُمَمِ أَصْنَامٌ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ السَّمَاوَاتِ. الْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ أَمَامَهُ. الْعِزَّةُ وَالْبَهْجَةُ فِي مَكَانِهِ» (1أخبار 16: 24-27).
على أنَّنا نجد في تجسد المسيح أعظم تجلي لمجد الله، يكتب البشير يوحنا واصفاً هذا التجسد الإلهي، «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ .. وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (يوحنا 1: 1، 14)، إنَّ «اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ -الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين 1: 1-3).
«مجد الله وحده»، يؤكد على ضرورة إعطاء المجد لله وحده، وهذا معناه، الاعتراف بقيمته وجماله المتأصّلَيْن فيه، والتغنّي بتلك الصفات علانية. وبالتالي فتمجيد الله يعني تسبيحه أو التحدث عنه علانية وبالحقيقة.» وهذا ما تعلّمه لنا كلمة الله: مجد الله وحده، لا أحد ولا شيء ينبغي أن نعطي له المجد غير الله. ربما تكون هذه الكلمات بديهية اليوم، لكن فيما سبَق وحتّى الآن في تاريخ البشرية في كل عصر وزمان ومكان نرى البشر يعطون مجدًا لبشر آخرين أو أشياء أو قوى غيبية يتخيلها البشر. ومثال على هذا العصور الوسطى، فقد تضاءل مجد الله أمام مجد الباباوات، ولم تعُد الناس تعطي المجد لله لأنهم مشغولون بإعطائه للقديسين. فقد بُنيَت الكنائس والأديرة والمزارات، وأصبح الناس يأتون من كل مكان من أجل زيارة رفات القديسين. وسادت القصص والخرافات والأساطير التي تنادي بقوى غيبية تستطيع أن تؤثر على مصير البشر والعالم وتتحدّى الله. وما كان من المخدوعين وعديمي الإيمان سوي تقديم الإكرام والمجد لهذه القوى. إذًا فأين مجد الله في وسط إكرام البشر وطلب المجد لبعضهم البعض ولبعض القوى الخيالية.
وهذه أكبر خسارة أنتجها سقوط الإنسان. «وَفِيمَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ، صَارُوا جُهَّالاً، وَاسْتَبْدَلُوا بِمَجْدِ اللهِ الْخَالِدِ تَمَاثِيلَ لِصُوَرِ الإِنْسَانِ الْفَانِي وَالطُّيُورِ وَذَوَاتِ الأَرْبَعِ وَالزَّوَاحِفِ» (رومية 1: 22-23). في جذور الخطيئة يوجد العمى وعدم رؤية جمال ومجد الله.
وتتحقق معجزة الإبصار ووعي الإنسان بمجد الله وحده، عندما يختبر الإنسان الخلاص بنعمة الله وحدها، من خلال الإيمان وحده في شخص المسيح وحده، تلك المعجزة التي تحدث للإنسان بقوة الله، «فَإِنَّ اللهَ، الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنَ الظَّلاَمِ، هُوَ الَّذِي جَعَلَ النُّورَ يُشْرِقُ فِي قُلُوبِنَا، لإِشْعَاعِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ الْمُتَجَلِّي فِي وَجْهِ الْمَسِيحِ» (2كورنثوس 4: 6).
إنَّ «مجد الله وحده» يعني أن نحيا كل حياتنا نمُجِّد الله ونستمتع به، دون أن تشغلنا عن ذلك أي أمور أخرى أو أن نضيف لمجد الله وحده شيئاً أخر.